لن يهزمني أحد / محمود درويش
بندقية وكفن لن يهزمني أحد .. ولن أنتصر على أحد .. هكذا قال رجل الأمن المقنعُ، المكلفُ بمهمة غامضة، أطلق النار على الهواء، وقال :على الرصاصة وحدها أن تعرف من هو عدوي، رد عليه الهواء برصاصة مماثلة، لم يكترث المارة العاطلون عن العمل بما يدور في بال رجل الامن المقنع، العاطل مثلهم عن العمل، لكنه يبحث عن حربه الخاصة، منذ لم يجد سلاما يدافع عنه .. نظر إلى السماء فرآها عارية صافية، وبما أنه لا يحب الشعر، فلم يرى فيها مرآة للبحر، كان جائعا وازداد جوعا حين شم رائحة الفلافل .. فأحس بأن بندقيته تهينُه، أطلق رصاصة على السماء، لعل عنقودا من عنب الجنة يساقط عليه، ردت عليه رصاصةٌ مماثلة، فأججت حماسته المكبوتة الى القتال .. فاندفع إلى حرب متخيَّلة، وقال: عثرت أخيرا على عمل .. إنها الحرب، وأطلق النار على رجل أمن مقنع آخر، فأصاب عدوَّه المُتَخَيَّل، وأصيب هو بجرح طفيف في ساقه. وحين عاد إلى بيته في المخيم متكئا على بندقيته، وجد البيت مزدحما بالمُعَزّين، فابتسم لأنه ظن أنهم ظنوا أنه شهيد، وقال: "لم أمت"، وعندما أخبروه أنه هو قاتل أخيه، نظر إلى بندقيته باحتقار، وقال: "سأبيعها لأشتري بثمنها كفنا يليق بأخي".